يضجّ الإعلام الموجّه للأطفال بشتى البرامج التي تتدخل في تشكيل أخلاقه وسلوكياته، ولها من الآثار الإيجابية التي تدعونا إلى حُسن اختيارها واستغلالها، بالإضافة إلى آثار سلبية ما يوجب التنبيه لخطرها الداهم، فماذا يمكننا أن نفعل؟ وما دور الأهل في ذلك؟ وما البدائل المتاحة في ظل التحديات والأخطار الجديدة؟
مقدمة:
تعد الطفولة من أهم المراحل التي یمرُّ بها الإنسان منذ ولادته إلى أن ينمو ویكبر، حیث یتعلم خلالها المعارف ویكتسِب فيها الخبرات. وتعد السنوات الست الأولى منها الأكثر أهمية في تشكيل وجدانه العقلي، وتطوير نموه الإدراكي، وتكوين رؤيته تجاه ما يجري حوله من أمور الحياة. وهذه المرحلة هي اللبنة الأساس في تشكيل الإنسان الواعي الواعد؛ حيث إن ما تختزنه الذاكرة في باكورة أيامها، يسهم في ترسيخ الشخصية السليمة، المكونة على أسس صحيحة الفكر، منضبطة السلوك، متماسكة التركيبة النفسية.
ولا يخفى على عاقل ذي لب ما لبرامج الأطفال من أثر على تشكيل شخصيات أولادنا وبناء هوياتهم وتوجيه سلوكهم، ولا يخفى أيضًا ما يُستخدم في هذه البرامج من عوامل تشويقٍ وجذب وشد انتباه وإثارة تجعل الطفل أمامها مشدودًا متابعًا لا تغمض له عين ولا تحينُ منه التفاتة.
لا سيما وأنَّ الأطفال يبدؤون عادة بمشاهدة هذه البرامج في عمر مبكرة، مما يزيد من تأثرهم بها واقتناعهم بما تحتويه من قيم وأفكار وتصورات. «وتشير كثير من الدراسات في مختلف بلدان العالم أن متوسط ما يقضيه الطفل الذي يتراوح عمره بين ست سنوات إلى ست عشرة سنة أمام الشاشة الصغيرة نحو ١٢- ٢٤ ساعة أسبوعيًا»[1].
مكانة الإعلام في توجيه الأطفال:
يُعد الإعلام -وخاصة التلفزيون- من أخطر مصادر توجيه الأطفال، لما له من جاذبية خاصة لهم، وإنَّ جزءًا من جاذبيته يكمن في سهولة نيله وإدراكه، وما ينتج عن ذلك من قيمته كشاغل للوقت.
ولعلنا ندرك خطورة الإعلام، «باعتباره يخاطب الطفل بلغته، ويواكب التطلعات العاطفية والنفسية والعقلية له، وقد يسبق الأبوين والأسرة في ذلك، لذا يعتبر من أهم مصادر التلقي عند الطفل، وقد يتخطى الرقابة الأبوية ليخاطب الطفل مباشرة لأسباب؛ منها ما يتعلق بالانفصال الحقيقي أو الشعوري بين الطفل والمربي، ومنها ما يتعلق بالالتواء في أساليب الترجمة والعرض لتورية مفاهيم معينة، يكون الوكيل المترجم والمقدم لها على قناعة برفض الأسر العربية لها، وعبر أحداث العمل يصل المفهوم المقصود للطفل، وتوضحه المشاهد والمواقف والأحداث»[2].
وقد «وسع التلفزيون خبرات الطفل باعتباره مصدرًا من مصادر المعرفة التي تمده بالقيم المعرفية والسلوكية، وتنقل له الثقافة والمعرفة من خلال الوظائف التي يقوم بها هذا الجهاز وهي التوجيه والتثقيف والتعليم والترفيه.
كما أنه يُزود الطفل بالخبرات والمهارات التي تدفعه إلى إتباع العادات الصحية في كافة مناحي سلوكه اليومي»[3].
«إنَّ اختيار الأهل لأطفالهم برامج مناسبة قريبة لخيالهم، توصل لهم الأفكار بطريقة واضحة وسهلة له آثار إيجابية كثيرة؛ فهي تساعد على غرس عاداتٍ وقيمٍ مهمة لدى الأطفال، فضلاً عن اكتسابهم خبرات وتكوين معلومات ومعارف جديدة»
آثار مشاهدة الرسوم المتحركة على الأطفال:
نظرًا لما تتمتع به الرسوم المتحركة من مرونة عالية في الإعداد، ووسائل جذب للأطفال فإنَّ لها العديد من الإيجابيات والسلبيات التي تترتب على كيفية استخدامها:
أولا: إيجابيات الرسوم المتحركة:
إنَّ اختيار الأهل لأطفالهم برامج مناسبة تحتوي على قصص واقعية ودينية واجتماعية قريبة لخيالهم، وتوصل لهم الأفكار بطريقة واضحة وسهلة له آثار إيجابية كثيرة؛ فهي تساعد على غرس عاداتٍ وقيمٍ مهمة لدى الأطفال، فضلاً عن اكتسابهم خبرات وتكوين معلومات ومعارف جديدة، ويمكن إجمال هذه الإيجابيات في التالي[4]:
تختلف قيم صانعي برامج الأطفال عن قيم وأخلاق مجتمعاتنا الإسلامية. فتظهر فيها أخلاق وسلوكيات مرفوضة في ديننا وأخلاقنا.
ثانيًا: سلبيات الرسوم المتحركة:
تنطوي مشاهدة الرسوم المتحركة على العديد من الآثار السلبية التي تنعكس على الطفل المشاهد لها، ومن هذه الآثار:
١- الآثار الأخلاقيّة والتربويّة:
٢- الآثار الاجتماعيّة:
بل حتى ما يقع منها دون قصد العنف، كتصوير عدم تضرر الشخصية الكرتونية من القتال أو العنف، مما يشجع الطفل على تقليد ذلك ظنًا منه أنه لن يتضرر، وكذلك المشاهد التي تصور الأبطال يطيرون ويقفزون ويتنقلون بكل خِفة من هذا الجبل إلى ذاك المنحدر دون أي إصابة تُذكر، كما أن الشخصيات الخيالية التي تتمتع بقوةٍ خارقة للعادة كـ (سوبر مان وسبايدر مان) تشجع الأطفال على تقليدها، ومحاولة تقمصها، أو الطموح إلى أن يكون مثلها.
إن تصوير مشاهد القتل وسفك الدماء تؤثر في شخصية الأطفال وتجعلهم يستسيغون تلك الصور ويعتادونها، مما ينعكس على شخصياتهم ويجعلها أكثر عدوانية وعنفًا، ويطبع شخصياتهم بطابع إجرامي.
قال الطبيب النفسي (ستيفن بانا) الأستاذ بجامعة كولومبيا: «إذا كان السجن هو جامعة الجريمة.. فإن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث»[5].
إن أخطر ما تحويه مشاهد العنف التي تحملها هذه البرامج: أنها تبرر العنف وتجعله طبيعيًا في الحياة اليومية، وتظهره أحيانًا بطابع مضحك أو مشوق مما يجعل تقبَّله أسهل وأسرع، كما أنّها تدفع الطفل ليكون متسامحًا مع المؤذي، وتفقده القدرة على التعاطف مع الضعيف.
إنَّ تصوير مشاهد القتل وسفك الدماء تؤثر في شخصية الأطفال وتجعلهم يستسيغون تلك الصور ويعتادونها، مما ينعكس على شخصياتهم ويجعلها أكثر عدوانية وعنفًا
٣- الآثار النفسيّة والصحيّة:
تقوم العديد من برامج الرسوم المتحركة على فكرة تصارع الآلهة، ليقوم كل إلهٍ بإدارة جزء من الكون، ناهيك عن وجود آلهة للشر تحرك الأشرار وتقودهم للتدمير والخراب ونشر الفساد في الأرض!
٤- الآثار والمخاطر العقدية:
من أخطر الآثار السلبية التي تترتب على الرسوم المتحركة: ما يتعلق بالجانب العقدي منها، ومع أن أول الضروريات التي يحرص الإسلام على حفظها وصيانتها هو الدين، فإنَّ أول ما تلوّثه الرسوم المتحركة هي العقيدة ومفاهيم الدين. ويتمثل ذلك في التالي:
ناهيك عن وجود آلهة للشر تحرك الأشرار وتقودهم للتدمير والخراب ونشر الفوضى والقتل، ثم إعادة من قُتل منهم إلى الحياة، ليكمل دوره في الفساد في الأرض!
إن أخطر ما يتوقع أن تجلبه هذه البرامج: إضعاف عقيدة الإسلام في نفوس كثير من الأطفال، بحيث تتحول أمتنا إلى أمةٍ إمَّعةٍ بلا هوية أو قضية أو هدف، تسير حيث يسير الركب.
يصاحب هذا غفلة الوالدين عن متابعة ما يتلقاه أبناؤهم؛ فيتُوه الطفل في عالم من المخاطر العقدية التي لا يستطيع الفِكاك من إشكالاتها، فيصارع الطفل بين ما يتلقاه من عالم أفلام الكرتون وبين ما يتلقاه من والديه فيعيش صراعًا لا يستطيع الفكاك منه، وكثيرًا ما يترك بصماته على شخصيته.
من أخطر الآثار العقدية للرسوم المتحركة: إضعاف العقيدة بالله والتعلق به، من خلال اللجوء إلى القوى الخارقة، والتعلّق بالمخلوقات لتحقيق الأماني، والقيام بالطقوس الشركية، وتقديس الرموز الوثنية، وتقديم القرابين لها
بين القديم والحديث:
رغم سلبيات وأضرار العديد من برامج الأطفال الكرتونية إلا أنها كانت في السابق تقدم عبر القنوات الرسمية الحكومية مما يوفر نوعًا من الرقابة التربوية والثقافية عليها، أما اليوم فهناك الكثير من القنوات التي لا تخضع لرقابة ولا وازع، فلم يعد فيها حذف للمقاطع المخلة، أو تعديل للحوار أثناء الترجمة، مما يجعل الأولاد يطلعون على كم هائل مما يخل بالدين والأخلاق.
كما أن غالب برامج الأطفال الكرتونية السابقة كان مأخوذًا من الروايات والقصص العالمية وفيها كثيرٌ من المشاعر والعواطف الإنسانية التي تحدث تأثيرًا عميقًا في الأطفال وتحثُّ على الخير ومساعدة الآخرين وتجسّدُ الأخلاق الإنسانية بالعموم، وملامح شخصياتها عادية أقرب للحقيقة، أمّا برامج الأطفال اليوم فغالب شخصياتها معقدة، تحمل أشكالاً غريبة مشوهة الملامح غريبة الأطوار، ومحورها يدور حول العنف والضرب والقتل والقتال بحركات سريعة وتشويش بصري وسمعي يتعب المشاهد ويرهق العقل بدلاً من الشعور بالمتعة والهدوء.
من القائم على صناعة برامج أطفالنا؟
من خلال ما تقدّم يتبين أن غالب القائمين على هذه البرامج المؤثرة في حياة أبنائنا ليسوا من بني جلدتنا، ولا يتكلمون لساننا، ولا يعتنقون ديننا، ولا ينتمون لثقافتنا في غالب من الأحيان، فهم يكتبون ويؤلفون ويرسمون ويصنعون ما يوافق مفاهيمهم وعاداتهم وأخلاقهم ومناهجهم وأساليب حياتهم المختلفة تمامًا عن حياة المسلمين، إن لم نقل إنهم يصَدِّرون لأبنائنا أمورًا سلبية للتأثير فيهم أو إفسادهم؛ فأفلام الكرتون في غالبها من صناعة شركات أمريكية أو غربية أو يابانية عليها طابع تلك المجتمعات في مختلف مناحي الحياة.
ماذا يمكننا أن نفعل؟
لنعترف أولاً أن هناك مشكلة تكمن في عدم تخصيص الآباء والأمهات أوقاتًا لأبنائهم، يجلسون معهم، يحاورونهم يعلمونهم ويستمعون إليهم، ومن ثمّ اتجه كثيرٌ من الأطفال إلى وسائل التسلية من كرتون وألعاب فيديو وغيرها من الأمور التي تكون بديلاً لهم عن اهتمام الأهل. والمشكلة الأكبر أن الآباء لا ينتبهون لنوع المحتوى المعروض لأبنائهم، وحتى وإن انتبهوا فإن ضعف الإنتاج المرئي الذي يُراعى فيه البُعد الإسلامي يقلل خياراتهم فيما يتعلق بالحلول الأيسر للتخلص من شغب الأطفال وحركتهم الزائدة.
لذا كان من الواجب أولاً على الأسرة: التعرف على ما يشاهده الأبناء قبل إلقاء الأطفال إليها تُعلمهم كما شاءت، وأن يوفّروا لأطفالهم أسلوب حياة متوازن يشمل جميع الجوانب بما في ذلك مشاهدة الرسوم المتحركة، ما يوجب على الآباء التحكم والحد من الوقت الذي يقضيه الأطفال في مشاهدة التلفزيون أو استخدام الكمبيوتر.
كذلك يجب على المجتمع المسلم تبني مشاريع إنتاج مواد كرتونية ذات جودة عالية، وبُعدٍ ديني وقيمي وأخلاقي، وفيها إبهار وتشويق وحبكة وتسلية وأخلاق. فهذه لا تقل بحال عن مواقع ومنصات صناعة الوعي، فإذا لم يكن لدينا اهتمامٌ بالنشء، فلا ننتظر مستقبلاً أفضل مما نعيشه[7].
لذا «كانـت أهم توصيات المنتدى الإعلامي الخليجي حول التلفزيون وحقوق الطفل (١١-١٣/شباط/٢٠٠٢م): تفعـيل دور المؤسسـات الإعلامية الخليجية ودعمها بشريًا وماديًا من أجل إنتاج بـرامج تلبي احتياجات أطفال الخليج الثقافية والعلمية والاجتماعية والعمل على إنشاء قناة خليجية متخصصـة للأطفال، وشركة خليجية عربية لإنتاج الرسوم المتحركة والأفلام الموجهة للأطفال والمراهقيـن التـي تعكـس الحياة المعاصرة التي تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا»[8].
ومن الحلول التي يمكن أن نسعى لها (أفرادًا ومؤسسات) لتأمين بديل لأطفالنا عن هذه البرامج والقنوات:
دور الأهل للحد من سلبيات أفلام الكرتون:
للأهل دور مهم في تقليل التأثير السلبي لأفلام الكرتون في الأطفال، وذلك يتمحور حول ما يأتي:
خطر جديد:
إن الأخطار التي تحيط بأولادنا اليوم لا تقتصر على برامج الأطفال الكرتونية فهناك أخطار جديدة أحدقت بهم وينبغي التنبه لها والحذر منها فشبكات التواصل الاجتماعي مليئة بالتطبيقات التي تقدّم البرامج المرئية والمسموعة وتسعى لكسب الشهرة وكثرة المشاهدات والإعجابات بما تنشره من محتويات تافهة ومنحرفة، وتنهج أساليب عديدة لجذب المشاهدين، أصبحت تحيط بهم من كل جانب مع هزالة في المحتوى وسوء في الأداء؛ إذ لا يخضع المعروض لرقابة تقوم اعوجاجه وتبين خطأه من صوابه.
فمن الملاحظ أن الأطفال بدؤوا يميلون إلى قنوات اليوتيوب –مثلاً- واتخذوها بديلاً عن القنوات الفضائية في كثير من الأحيان، وهذا الأمر يحتاج إلى دراسة واعية تسبر أغوار هذه القنوات وتبين ما فيها من مناسب لأبنائنا أو غير مناسب لهم، وتخبرنا عن النافع المفيد من هذه القنوات حتى نرغِّبَ به أبناءنا وندلهم عليه.
وفي الختام: أبناؤنا مسؤوليتنا، ولن نُضَيِّعَهم:
أبناؤنا أمانة في أعناقنا ومن مقتضيات هذه الأمانة أن نرعاهم رعاية تامة، وكما نهتم بهم جسديًا وصحيًا فنحرص على غذاء أبدانهم وأجسادهم، ونمنعهم ونبعدهم عن كل ما يؤذيهم؛ لابد أن نهتم بحفظ أخلاقهم وقيمهم وثقافتهم، بإبعادهم عن كل ما يؤذي أخلاقهم وعاداتهم، فلا ينبغي أن نتركهم لقنوات الأطفال وبرامجها التي عرفنا ما فيها من سلبيات وأضرار ، ولا بد لنا أن نسعى لإيجاد البدائل المناسبة والمفيدة لأطفالنا ، بدائل مناسبة لأعمارهم ، ومهاراتهم وقدراتهم، نشاركهم فيها ونزرع فيهم الوعي الذي يميزون فيه الخبيث من الطيب الذي تحتويه هذه البرامج، ونخصص لهم جزءًا من أوقاتنا لمشاركتهم في ألعابهم وأنشطتهم البدنية والذهنية، وممارسة هواياتهم المفيدة، نعودهم من خلالها على مكارم الأخلاق ونغرس فيهم حب العلم وعمل الخير والسعي إلى معالي الأمور
والبعد عن سفاسفها، ولنصاحبهم في صغرهم ليصاحبونا في كبرنا.
المصدر : مجلة رواء
مع دخول سوريا حقبة جديدة من الحرية والانفتاح، تتزا......
قراءة المزيدبناء موقع إلكتروني يعد عاملًا أساسيًا لنجاح الشركا......
قراءة المزيد